احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

علم الاجتماع السياسي

المقدمة :

إذا كان علم الاجتماع السیاسي قد بر ز كعلم مستقل له مجالاته المحددة وأهدافه الخاصة التي یسعى إلى تحقیقها ، ومنهجیته التي یتبعها ، وذلك في أواخر النصف الأول من القرن العشرین ، إلاّ أن مضامین مفاهیمه الرئیسیة التي تشكل الآن مجالات البحث والدراسة في إطار هذا العلم ، قد تم التعرض إلیها بشكل مباشر أو غیر مباشر في العدید من المحاولات العلمیة الجادة التي برزت خلال الحضارات الإنسانیة المختلفة ، منذ الحضارات الشرقیة القدیمة ، مرورا بالحضارة الیونانیة القدیمة ، وما جاء بعد ذلك ،و إن دل هذا على شيء فإنما یدل على أن القضایا والمواضیع التي یتصدى لها علم الاجتماع السیاسي تعد أساسیة في إطار نشأة النظم السیاسیة والاجتماعیة من خلال التفاعل الدینامیكي بین الجماعات أو المجتمعات الإنسانیة ، وما ینتج عنه من نظم وأنساق وبناءات هي العصب الرئیس لقیام المجتمعات وتقدمها وتطورها .

لقد قام علم الاجتماع السیاسي كعلم مستقل ، وأصبحت له أهمیته الكبرى بین العلوم بصفة عامة ، والعلو م الإنسانیة بصفة خاصة ، نظرا لاهتمامه بقضایا هامة تخص العلاقات الإنسانیة التي كانت تدخل أحیانا في إطار اهتمامات العلوم السیاسیة ، وأحیانا أخرى في إطار العلوم الاجتماعیة ، ما أدى إلى تداخل المفاهیم وتفسیراتها ، وبالتالي تداخل تحدید تأثیراتها وانعكاساتها على الحیاة الاجتماعیة ، حیث أن الهدف من دراسة وتحلیل الظاهرات السیاسیة هو تنمیة وتطویر تلك الحیاة الاجتماعیة ، ولا یمكن أن یحدث  ذلك إلا من خلال تحدید المفاهیم بشكل علمي ، ودراستها انطلاقا من بناء نظري خاص ومنهجیة خاصة ، ما یمكنّ من الوصول إلى نتائج وقوانین علمیة تساهم بشكل مباشر في التنمیة السیاسیة والاجتماعیة ، وا ذٕا كانت الدراسات والأبحاث في مجال العلوم الاجتماعیة وفي مجال العلوم السیاسیة تتداخل أحیانا وتتلامس في مواضع أخرى ، بل وتتباین في بعض الأحیان ، عندما یتعلق الأمر بمفاهیم وقضایا لها صفة " الاجتماعي " وصفة "السیاسي"، وحیث أن الظاهرة السیاسیة لا یمكن أن تحدث إلا في إطار الجماعة الاجتماعیة ، ولا یمكن أن تفهم إلا من خلال إدراك تأثیراتها على تلك الجماعة ، فإن علم الاجتماع السیاسي برز لیحل هذا التشابك، ولیوضح ما كان یكتنف تلك الدراسات من غموض ، وقد أوضح العالمین " لبست " و " بندكس " الفرو قات بین مجالات الاهتمام لعلم السیاسة وعلم الاجتماع السیاسي ، فأن علم السیاسة یبدأ بدراسة الدولة وكیف تؤثر على المجتمع ، في حین أن علم الاجتماع السیاسي یبدأ بدراسة المجتمع وكیف یؤثر على الدولة .من المؤكد أن الظاهرة السیاسیة باعتبارها ظاهرة إنسانیة ، فإنها متغیرة من زمن إلى آخر ومن مكان إلى آخر ، وذلك یتطلب من علماء الاجتماع السیاسي مواصلة الدراسة والتحلیل لتلك الظاهرات ، و یرى البعض أن علماء الاجتماع قد بدؤوا خلال العقود الأخیرة

یظهر ون اهتماما كبیرا بدراسة الإطار الاجتماعي للقضایا والمشكلات السیاسیة ، انطلاقا من عدة عوامل ومعطیات ، منها أن هؤلاء العلماء یرون بوضوح عسر تفتیت الواقع الاجتماعي والنظر إلیه على أنه مجرد مجموعة من الأجزاء ، كذلك فإنه من الصعب تفسیر ظاهرة أو حادثة سیاسیة ، كقیام ثورة ، أو سیطرة صفوة على الحكم ، دون أن نأخذ في الاعتبار الظروف الاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة التي انبثقت منها هذه الظواهر والأحداث، في ذلك یرى المتخصصون بأنه إذا كان البعض یمیل إلى تعریف علم السیاسة بأنه دراسة السلطة أو نظم الحكم ، وا ذٕا كان البعض الآخر یفضل النظر إلى علم الاجتماع على أنه دراسة العلاقات الاجتماعیة أو التفاعل الاجتماعي ، فإن علم الاجتماع السیاسي هو ذلك الفرع الذي یهتم بإبراز وتأكید السیاق الاجتماعي للظواهر السیاسیة .و عندما نتبین التراث الفكري في مجال علم الاجتماع السیاسي ، نلاحظ بشكل جلي التقدم الملحوظ من حیث تزاید عدد المتخصصین والدارسین والمهتمین بما یتناوله هذا العلم الحیوي ، وذلك ناجم عن حیویة وأهمیة القضایا التي یتناولها ، ودینامیكیة المجتمعات الإنسانیة وانشغالها بالظواهر السیاسیة التي أدخلت علیها مفاهیم جدیدة نظرا لما یمر به العالم خاصة في عصر العولمة ، وبروز التكتلات السیاسیة والاقتصادیة ، وتأثیر ذلك على النسق الاجتماعي وبالتالي على بنائه العام ، حیث أن الدول التي تسعى إلى المحافظة على نظامها السیاسي وبنائها الأیدیولوجي ، لابد لها من أن تهتم بالعدید من القضایا التي یأتي في مقدمتها موضوع القوة وموضوع السلطة وموضوع الدولة وما یوجد بین هذه المفاهیم من تداخل ، كذلك فإن موضوع التنشئة السیاسیة له أهمیة كبرى تتمثل في أن نجاح المجتمع في القیام بهذه المهمة على الوجه الأكمل یؤدي إلى ترسیخ وتجذ ير الفكر الأیدیولوجي لدى الأفراد ، و بالتالي المحافظة على شكل النظام القائم وتدعیمه ، ما یؤدي بالتالي إلى التنمیة السیاسیة والى المشاركة السیاسیة التي تعُد عصب الديمقراطية المباشرة .

تعریف علم الاجتماع السیاسي :

یعد تعریف العلم ذو قیمة هامة ، ذلك لأنه محاولة لتحدید ماهیته وأهدافه ومجالاته، ما یساعد على تطوره على ید الباحثین و الدارسین المتخصصین ، إلا أن ذلك لیس بالأمر الهین ، حیث تواجه هؤلاء مشكلة التعریف ، خاصة في مجال العلوم الإنسانیة والاجتماعية ، نظرا لأن الظواهر الناجمة عن هذه العلوم ذات طبیعة خاصة متغیرة وغیر مستقرة إلى حد كبیر ، وحیث إن القضایا التي تتناولها تلك العلوم تختلف في طبیعتها ، إضافة إلى اختلاف الأولویات التي یهتم بها العلماء ، واختلاف ظروفهم الموضوعیة والذاتیة ، فإن ذلك جمیعه یؤثر على التعریف الذي یطلقه أي منهم على العلم الذي یدرسه ، فینتج عن ذلك تعریفات مختلفة حسب الزاویة التي یسلط منها كل منهم الضوء على العلم .

من هنا نجد الاختلاف الواضح بین تعریفات علم الاجتماع السیاسي ، إلا أن كل منها یصب في مصلحة تحدید أطراف هذا العلم الحدیث نسبیا ، ومن هذه التعریفات :

-1 علم الاجتماع السیاسي هو ذلك العلم الذي یدرس الظواهر والنظم السیاسیة في ضوء البناء الاجتماعي والثقافة السائدة في المجتمع ، وبقدر ما یحدد النظام السیاسي مسار المجتمع و یضع أسسه وتنظیمه ، فإن المجتمع بدوره یحاول أن یحدد أسس الحكم مع قیمه وأفكاره

-2 ویعرفه البعض ، بأنه ذلك الحقل من حقول المعرفة الاجتماعیة الذي یدرس الظواهر السیاسیة داخل الجماعة السیاسیة المسماة بالدولة ، وذلك من وجهة نظر مجتمعیة ، دراسة امبریقیة علمیة

-3 في إطار توضیح الفرو قات بین مجالات واهتمامات علم السیاسة وعلم الاجتماع السیاسي، فقد بین كل من العالمین " لبست " و " بندكس " في مقال مشترك لهما ، أن علم السیاسة یبدأ بالدولة ویدرس كیف تؤثر على المجتمع ، بینما علم الاجتماع السیاسي یبدأ بالمجتمع ویدرس كیف یؤثر على الدولة( 1)، واستنادا إلى هذا التعریف فإننا إذا أمعنا النظر في نظرة الفلاسفة والعلماء إلى الظواهر السیاسیة على مر الزمن ، نجد أنها تأرجحت بین محورین رئیسین ، فهناك أولئك الذین انصب اهتمامهم على دراسة المؤسسات السیاسیة باعتبارها أجهزة السیطرة والحكم ، وبذلك ركزوا على سلوك الحاكم وعلى المؤسسات والأبنیة السلطویة ، وهناك أولئك الذین تعدى اهتمامهم ذلك الهدف القریب ونظروا لما یكمن وراء ذلك من ظروف موضوعیة ، اقتصادیة واجتماعیة ، تؤثر في ذلك الواقع السیاسي ، ومعنى ذلك أن نظرة العلماء والمتخصصین إلى الظاهرة السیاسیة قد تكون من زاویة الدولة ، كما قد تكون من زاویة المجتمع ، والنظرة المجتمعیة إلى الظاهرة السیاسیة هي من اختصاص علم الاجتماع السیاسي.

-4 أما العالم " موریس جانویتز فقد حاول أن یقیمّ التراث العلمي والتاریخي لعلم الاجتماع السیاسي ، في محاولة لتحدید ماهیة هذا العلم بصورة شاملة ، تجمع بین كل من الاهتمامات النظریة ، والدراسات الامبیریقیة لذا فقد طرح تعریفین لعلم الاجتماع السیاسي هما:

أ- التعریف الشامل ، الذي حدد فیه أن علم الاجتماع السیاسي( یهتم بدراسة جمیع الأسس الاجتماعیة للقوة في كافة القطاعات النظامیة التي توجد في المجتمع ) ، ویهدف بذلك إلى توضیح مدى اهتمام علم الاجتماع السیاسي تقلیدیا بمعالجة جمیع أنماط الحراك الاجتماعي او التدرج الاجتماعي و نتائجه على كافة السیاسات المنظمة ، أي أن مهمة علم الاجتماع السیاسي بناءا على ذلك ، هي دراسة كل من التنظیم الاجتماعي والتغیر الاجتماعي .

ب - التعریف الضیق ، وقد حدد فیه طبیعة علم الاجتماع السیاسي بأنه ( العلم الذي یركز على التحلیل التنظیمي لكل من الجماعات والقیادات السیاسیة ) .

-5 في حین یرى علماء السیاسة ، بأن علم الاجتماع السیاسي ، إنما هو محاولة یقوم من خلالها الدارسون والمختصون بدراسة الآثار التي یحدثها ما یدور في البیئة الاجتماعیة على النسق السیاسي التحتي ، فإن علماء الاجتماع یمیلون إلى توصیف موضوع علم الاجتماع السیاسي ، من خلال التداخل القائم بین النظم السیاسیة والاجتماعیة في المجتمع.

فعالم السیاسة یعر ف علم الاجتماع السیاسي ، بأنه ذلك الفرع من علم السیاسة الذي یتناول بالدراسة العلاقات المشتركة بین النسق السیاسي التحتي والأنساق التحیة الأخرى للمجتمع ، لذا فإن اهتمامات عالم السیاسیة نجدها تدور حول الأسباب الاجتماعیة للاختلافات بین الأیدیولوجیات السیاسیة ، وأثر التغیر الاجتماعي على النظم السیاسة .

أما عالم الاجتماع فیعرف هذا العلم من زاویة اختصاصه ، حیث نلاحظ أن " لویس" كو ز ر یعرف علم الاجتماع السیاسي بأنه  ذلك الفرع من علم الاجتماع الذي یهتم بالأسباب والنتائج الاجتماعیة لتوزیع القوة داخل أو بین المجتمعات ، كما یؤدى إلى معالجة الصراع السیاسي والاجتماعي الذي بدوره یؤدى إلى تغییر في عملیة تخصیص القوة ، وفى نطاق هذا التعریف فإن الدراسات تركز على عملیتي الاتفاق وعدم الاتفاق السیاسي

6 - یرى " بو تومور " أن علم الاجتماع السیاسي ، هو العلم الذي یهتم بدراسة القوة في إطارها الاجتماعي( 1)، ولا یعنى ذلك أن موضوع القوة هو الموضوع الوحید الذي یحدد ماهیة دراسات علم الاجتماع السیاسي ، بقدر ما یعني أنه الموضوع الرئیس في تحدید العلاقات بین أفراد وجماعات وهیئات ومؤسسات المجتمع ، فمن یملك القوة یستطیع أن یرسم سیاسات الآخرین بمفاهیم أخرى یهتم بها علم الاجتماع ، ، ویدل على ذلك ارتباط مفهوم القوة والنفوذ Power ، Violence والعنف ،

إذن فإن علم الاجتماع السیاسي هو ذلك العلم الذي یهتم بجملة من القضایا الأساسیة المتعلقة بالنشاط الإنساني السیاسي ، التي تدور مجریاتها في إطار المجتمع ، فتكو ن بذلك ظواهر سیاسیة ذات طبیعة مجتمعیة ، و تدخل بالتالي في إطار اهتمامات علم الاجتماع بصفة عامة ، وعلم الاجتماع السیاسي على وجه الخصوص ، وذلك لغرض دراستها وفهمها وتحلیلها .

نشأة وتطور علم الاجتماع السیاسي :

كما أنه لیس هناك اتفاق تام بین العلماء والمتخصصین حول تعریف عام وموحد لعلم الاجتماع السیاسي ، أو الاتفاق حول مفهومه وماهیته ، كذلك لیس هناك إجماع حول الجذور التاریخیة والفكریة لعلم الاجتماع السیاسي من حیث بدایاتها ، وهذا لیس عیبا حسب رأینا ، لأنه راجع إلى الخصوصیة التي تتمیز بها العلوم الاجتماعیة و الإنسانیة ، أو إلى تشابك وتداخل المعرفة الإنسانیة ، وتأثرها بالعوامل الموضوعیة والذاتیة التي تشكل شخصیة العالم أو المفكر ، والتي بدورها تنعكس ، بصورة أو بأخرى ، على نتاجه العلمي والفكري .

ما تقدم ینطبق على علم الاجتماع السیاسي ، من حیث تحدید الرواد الأوائل أو الآباء المؤسسين لهدا العلم’ فنلاحظ ان بعضهم يرجعه إلى فلاسفة اليونان ’ في حين إن  بعض العلماء والمتخصصین یرجعون نشأة علم الاجتماع السیاسي إلى عصر النهضة و عصر التنویر ، فیما یرجعه البعض إلى العلماء العرب في عهد أبن خلدون وما بعده . " فقد أعتبر " غاستون بوتول Bouthoul Gaston أن أفلاطون وأرسطو من ، رواد هذا العلم ، ملاحظا اختلاف كل منهما عن الآخر في اتجاهه الفكري ، كذلك من حیث مفهوم علم الاجتماع السیاسي، حیث رأى أنهما یمثلان نزعتین رئیستین للعمل السیاسي والمذاهب السیاسیة ، ففي حین أن أفلاطون یمثل الفكرة المعیاریة الصرفة ، فإن . ( علم الاجتماع عند أرسطو بني على الملاحظة والمقارنة( 1 إن الدارس لتطور علم الاجتماع السیاسي یجد بأن قیام الثورة الفرنسیة كان عاملا مهما في إطار تحلل العلاقات المجتمعیة التي كانت سائدة ، وظهور نمط جدید من التفكیر السیاسي ، إضافة إلى حركة الإصلاح الدیني والثورة الصناعیة اللتین كانتا من العوامل الحاسمة في تكوین المجتمع الأوربي الحدیث ، الذي أدى إلى تركیز اهتمام العلماء نحو تحلیل وتفسیر العلاقات السائدة بین المجتمع والدولة ، أي الموضوع الأساسي الذي یهتم به علم الاجتماع السیاسي ، ترتب عن ذلك وعلى مدى قرن ونصف دخول مفاهیم جدیدة إلى الحیاة السیاسیة في مجتمعات الدولة الحدیثة مثل : الانتخاب ، والأحزاب السیاسیة ، والبیروقراطیة ، والمجتمع المدني ، والرأي العام ، إلى غیر ذلك من

المسائل الأساسیة التي هي محور اهتمام علم الاجتماع السیاسي الیوم .

الرواد الأوائل :

1 أفلاطون ( 427 347 ق.م ) : یعد أفلاطون من أوائل المساهمین في إثراء التراث - -   الفكري ، الذي تراكم على مر العصور، وأدى إلى ظهور علم الاجتماع السیاسي في أواخر النصف الأول من القرن العشرین ، فبالرغم من أنه كان فیلسوفا مثالیا ، ركّز جهوده في دراسة الدولة المثالیة ، وهذا ما لا یتفق مع اهتمامات علم الاجتماع السیاسي، الذي یدرس كما أسلفنا الظاهرة السیاسیة في إطارها المجتمعي بشكل علمي موضوعي ’ إلا آن

أفلاطون كان ینظر إلى الظاهرة السیاسیة من زاویة مجتمعیة ، فقد اعتنى عند دراسة المدینة الفاضلة بتأثیر المتغیرات الاجتماعیة على السیاسة والحكم ، كما أهتم بلبانى والمؤسسات الاجتماعیة وفعالیة تأثیرها في تنشئة الأفراد تنشئة سیاسیة سلیمة ، لذلك فقد أهتم بموضوع التنشئة السیاسیة ، وفعالیة الدور الذي تقوم به الأسرة ، ونظام التعلیم ، كعوامل مهمة لهذه التنشئة ، باعتبارها من أهم الموضوعات التي یدرسها علم الاجتماع السیاسي .

لقد كان لأفلاطون العدید من المحاورات التي ضمنها المسائل المتصلة بالفلسفة السیاسیة ، وكانت ثلاث منها على الأخص تضم هذه المسائل وهى : الجمهوریة ، والسیاسي ، والقوانین ، ففي كتابه الجمهوریة ضمن أفلاطون الفكرة الأساسیة التي أخذها عن أستاذه سقراط ، والقائلة بأن " الفضیلة هي المعرفة " ، ودعم فكرته هذه بخبراته ، ( السیاسیة ومحاولاته التي بذلها لتنمیة روح المعرفة الحقة كأساس لفلسفة صناعة الحكم( 1 وعبارة " الفضیلة هي المعرفة "ت عنى أن هناك حیزا موضوعیا نستطیع أن نتعرف علیه وذلك باستخدام العقل ، والتحلیل العلمي الموضوعي ، وحیث أن الفیلسوف قادر على ذلك ، فالأولى أن یناط به الحكم ، حیث یكون قد مر حسب رأي أفلاطون بتعلیم وتدریب متواصل ، یبدأ بعد أن یتم اختیار من تتوافر فیه صفات الذكاء والصحة والنمو السلیم ، و تعلیمهم القراءة والكتابة والحساب والموسیقى والتربیة الریاضیة ، ویمر الناجحون إلى الدراسة العسكریة ثم العلوم الریاضیة البحتة وصولا إلى دراسة الفلسفة في مرحلة النضج .

هذه الخطة التعلیمیة المتواصلة ، التي في كل مرحلة من مراحلها یتم إبعاد وعزل الراسبین ، ینتج عنها في النهایة أفراد ذوو كفاءات عالیة ، قادرین على تحدید الخیر والشر ، وتمییز العادالة و دراسة نظم الحكم  ومعرفة أصلحها لحكم الدولة و أن يدرسوا وظیفة كل طبقة وما یصلح به شأنها وما یفسدها ، والحدود التي یجب أن تلتزم بها . ( الحكومات في مراقبة كل طبقة ، وما یجب أن تقوم به للمحافظة على كیان المجتمع( 1 إذن فإن أفلاطون یعد مؤسس أول جامعة في العالم ، حیث أنشأ مدرسة أسماها الأكادیمیة ، وأن خاصیة العلم التي یتسم بها خریجو الجامعة الأفلاطونية ، إنما تؤهلهم لتبوء مراكز القیادة والحكم ، فالعلم بالنسبة لأفلاطون هو الفضیلة ، والفضیلة هي السعادة ، وأن العالم هو الرجل الفاضل الذي یستطیع جلب الخیر والسعادة للمجتمع ، عندما یكون في مركز الحكم والمسؤولیة .

-2 أرسطو (322 385 ق.م) : كان تلمیذا لأفلاطون ، تعلم في الأكادیمیة ، وبذلك -  تأثر إلى حد كبیر بآراء وأفكار أستاذه ، وقد كانت نظرته تؤكد على ضرورة نشوء الجماعات ( 2)، حیث یتكون الناس من ذكر وأنثى متحاجون إلى الاجتماع ، طبقا لغریزة التناسل من أجل التكاثر و بقاء النوع ، فهو یرى في كتابه ( السیاسة ) بأن الاجتماع أمر طبیعي والإنسان كائن اجتماعي ، أي أن الناس من غیر أیة حاجة إلى التعاون ، یرغبون رغبة قویة في عیشة الجماعة ، وهذا لا یمنع أن كل واحد منهم مدفوع بمصلحته الخاصة وبالرغبة في تحصیل حضه الفردي من السعادة التي ینبغي أن یلقاها ، هذا هو على التحقیق غرض الكل بجملتهم وغرض كل واحد منهم على حدته .

كما یرى أرسطو بأن الناس یجتمعون أیضا على الأقل من أجل سعادة العیش و حدها ، وأن حب الحیاة هو بلا شك أحد كماليات الإنسانیة ، لذا فإنه یرى بأن المرء یرتبط بالمجتمع السیاسي حتى عندما لا یجد فیه شیئا أكثر من المعیشة ( 1)، وذلك یؤكد الرؤیة  السیاسیة لأرسطو ، التي محورها الاجتماع الإنساني.

لقد وضع أرسطو دعائم مجتمعه الفاضل على غرار ما تصوره أستاذه أفلاطون في الجمهوریة ، وذهب إلى أ ن المجتمع هو أرقى صور الحیاة السیاسیة ، أما المركبات السیاسیة المترامیة الأطراف كالإمبراطوریة مثلا ، فهي مركبات غیر متجانسة یستحیل علیها ، حسب رأیه ، تحقیق الغایة من الاجتماع الإنساني ، وهى توفیر سعادة المواطنین .

-3 ابن خلدون (1406 1332 م) : لم تكن كتابات ابن خلدون التاریخیة مجرد سرد –  للحوادث والأزمات فقط ، إنما كانت ذات أبعاد ومضامین اجتماعیة اقتصادیة و سیاسیة ، حیث أطلق على هذا العلم الذي رأى ضرورة إقامته -ع لم العمران البشر ي - ، إذن فإن الاجتماع لدیه ، هو ذلك العمران البشرى الذي یحدث نتیجة لاحتیاج الناس بعضهم لبعض ، وذلك لغرض إشباع حاجاتهم الأساسیة ، التي لا یستطیع الإنسان بمفرده أن یقوم بها .

في هذا الشأن یقول ابن خلدون : الأولى في أن الاجتماع الإنساني ضروري ،و یعب ر الحكماء عن هذا بقولهم الإنسان مدني بالطبع ، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدینة في اصطلاحهم وهو معنى العمران ، فلا بد للإنسان أن یتعاون مع أبناء جنسه ، لأجل إشباع حاجاته من الغذاء والملبس والدفاع وغیرها من الحاجات الضروریة ، ثم ینتقل إلى المسألة السیاسیة فیقول : فلا بد من شيء آخر یدفع عدوان بعضهم عن بعض ... فیكون ذلك الوازع واحدا منهم یكون له علیهم الغلبة والسلطان والید القاهرة حتى لا یصل  أحد إلى غیره بعدوان وهذا هو معنى الملك.

إن قرب ابن خلدون من السلطة ، حیث كان طرفا فیها أحیانا وم ا عرضا لها أحیانا أخرى وبعیدا عنها في بعض الأوقات ، جعله یتأملها ویعتقد بأن هنالك قوانین مفسدة للعلاقات الاجتماعیة المختلفة ولمسار العمران البشرى ، لذا فقد تناول ابن خلدون موضوعین أساسیین هما :

أ- العصبیة :و هي تعصّب بعض الناس لبعضهم البعض ، ویقوم الفرد بالدفاع بشدة عمن یتعصب لهم( 1)، وهي بمثابة مفهوم الهویة حالیا ، حیث بواسطتها یتكاتف الناس لعمل أي شيء في سبیل إقامة الدولة ، ویرى ابن خلدون أن العصبیة بها تكون الحمایة والمدافعة والمطالبة وكل أمر یجتمع علیه ، وأن الآدمیین بالطبیعة الإنسانیة یحتاجون في كل اجتماع إلى وازع وحاكم یوزع بعضهم عن بعض ، فلا بد أن یكون متغلبا علیهم بالعصبیة و إلا لم تتم قدرته على ذلك .

ب - صعود وأفول الدولة : وفى هذا یؤكد ابن خلدون بأن للدول أعمار كما أن للأفراد أعمار ، ویحدد عمر الدولة بمائة وعشرون عاما ، تكون الدولة في بدایة هذه المدة الزمنیة ، أي في الجیل الأول ، فيتأجج قوتها نظرا لقوة العصبیة عندها ، وفى الجیل الثاني الذي مدته أربعون عاما كما الجیل السابق ، یذهب خلق البداوة وخشونتها وتوحشها من شظف العیش والبسالة ، ویتحول حال الدولة إلى الملل والترف والخصب و تتفكك الجماعة وتظهر النزعة الفردیة ، وفى الأربعین سنة الأخیرة وهى الجیل الثالث من عمر الدولة ، ینفصل الأفراد انفصالا كاملا عن تاریخ عصبیتهم فتسقط العصبیة بالجملة وینسون الحمایة والمدافعة فتهن الدولة وتنقرض .

4  نیقولا مكيافيللي ( 1469  1527 ) : عندما كان مكيافيللي یعد كتابه ( الأمیر ) ویقدمه هدیة إلى الأمیر " المد يشي " ، الذي أطلق علیه الفلورنسیون اسم ( لورنزوا العظیم ) ، لم یكن على الأرجح یعرف بأنه یؤسس لعلم جدید مع غیره من والعلماء الذین سبقوه والذین سیأتون من بعده ، أما ما كان متأكدا منه هو جدة موضوعه ، ویؤكد ذلك ما جاء على لسانه عندما قال :( لم أحاول تزویق كتابي بالجمل الطویلة ، ولا بالزخارف اللفظیة الطنانة ، ولا بالحلي الجذابة المصطنعة التي یلجأ إلیها الكثیر من الكتاب لتنميق مؤلفاتهم ،  لقد كانت أفكار مكيافيللي السیاسیة التي ضمنها كتابه الأمیر بالفعل نقله جدیدة في دراسة وتحلیل وتفسیر الموضوعات السیاسیة ، خاصة فیما یخص السلطة والمحافظة علیها من قبل الذین یملكون زمامها ، وعلى عكس الفلسفة السیاسیة التي كانت سائدة منذ أرسطو حتى عصر النهضة ، فإن مكيافيللي أراد أن یستقل تماما بعلم السیاسة ویفصله عن علم الأخلاق ، في ذلك یقول " موریس دوفرجيه " حین یمیز بین الفلسفة السیاسیة عند أرسطو ویقارنها بمواقف مكيافيللي في الأخلاقیة السیاسیة ، ( لقد ابتكر أرسطو العنصر الأول في علم السیاسة وهو استعمال منهج الملاحظة ، كما ابتكر مكيافيللي . ( العنصر الثاني وهو المنهج الموضوعي المتجرد من الاهتمامات الخلقیة)  ویعد مكيافيللي من العلماء الذین ساهموا بشكل كبیر في إقامة أعمدة علم الاجتماع السیاسي بطریقة مباشرة أو غیر مباشرة ، بل ویعده " غاستون بوتول " ، مؤسس علم الاجتماع السیاسي ، فمساهماته في تكوین علم الاجتماع السیاسي عدیدة ، أهمها تلك النظرة الواقعیة الموضوعیة إلى الظاهرة السیاسیة وفصل السیاسة عن القیم والأخلاق ، كما أنه وضع أسس نظریة الصفوة السیاسیة ، التي تم تطویرها فیما بعد لتصبح موضوعا رئیسا من موضوعات علم الاجتماع السیاسي كما أنه أول من رفع شعار " الغایة تبرر الوسیلة "، فإذا ما كانت غایة الحاكم هي البقاء في السلطة وتطویع المحكومین لسلطانه ، فإنه یجوز له أن یستعمل كل الطرق والوسائل التي تضمن له ما یرید ، فتغیب بذلك الوسائل الأخلاقیة والقیم الاجتماعیة ،ور غم تغیر النظم السیاسیة ، ورغم النعوت التي ینعت بها مكیافللي ومؤلفه ( الأمیر ) ، إلا أن من بیدهم السلطة في الأنظمة التقلیدیة المعاصرة لا یخرجون عن نصائحه.

 ح )كارل ماركس (1883 1818 ): استطاع ماركس عبر حیاته الأكادیمیة والفكریة  تألیف العدید من الكتب التي ضمنها نتاجه الفكري وتوجهاته النظریة في تحلیل العلاقات الاجتماعیة ، وأهم كتبه ( انتقاد في الاقتصاد السیاسي ) و ( رأس المال ) و ( الثورة الاشتراكیة ) وغیرها من الكتب التي أثرت ، كما یرى الدارسون ، في الحركات الثوریة والتنظیمیة في العالم ، ورسمت المعالم الرئیسیة للنظم السیاسیة والاجتماعیة للعدید من الدول ، خاصة في أوروبا وآسیا وأفریقیا وأمریكا الجنوبیة( 1)، وقد عبّرت مؤلفات ماركس عن أفكاره الفلسفیة والاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة ، ووضحت طبیعة نظریاته وأطروحاته وقیمه الثوریة التي كان یحملها ، والتي أراد من خلالها تبدیل النظم الاجتماعیة والسیاسیة القائمة في العالم وتعویضها بنظم رادیكالیة ، نظم تنحاز إلى الطبقة العاملة ، وتتمیز بالتقدمیة والاشتراكیة ، كما تدعو إلى إلغاء الطبقیة وتبشر بالأممیة . لقد كانت أفكار ماركس ملهمة للعلماء الذین جاءو ا بعده ، الذین أسسوا لعلم الاجتماع السیاسي ، حیث كان یعتقد بأن الصراع الطبقي بین الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة هو أساس تغیر المجتمع من مرحلة حضاریة معینة إلى مرحلة أخرى ، كتغیر المجتمع من نظام العبو دیة إلى نظام الإقطاع ، ثم منه إلى نظام الرأسمالیة ، كما درس ماركس الثورة الاجتماعیة ، وركز على أسبابها ونتائجها ودورها في تحریر الإنسان من الظلم والقیود  الاجتماعیة والحضاریة أما اهتمام ماركس بالطبقة العاملة ( البرولیتاریا ) ، فقد جعله یحدد الظروف التي تؤدى إلى قیام ثورة هذه الطبقة على النظام الرأسمالي والإطاحة به ، ویبرر ذلك بأن الاستغلال والعبودیة والفقر وغیرها من الأمور التي تتعرض لها طبقة العمال ، هي نتیجة لتراكم رأس المال لدى الرأسمالیین واحتكارهم لوسائل الإنتاج ، ویؤدى ذلك بالتالي الى ازدیاد عدد أفراد الطبقة العاملة ، فتعمل هذه الظروف التي تتعرض لها طبقة البرولیتاریا إلى زیادة درجة وعیهم السیاسي ودرجة تضامنهم وتنظیم صفوفهم ، فیؤدى ذلك إلى حملهم لواء الثورة الاشتراكیة ، التي تحدد هدفها في وضع حد لاستغلال الإنسان للإنسان ، وبذلك تستحوذ على السلطة من أیدي الرأسمالیین وتركزها في أیدي الأغلبیة أو طبقة العمال وتقیم عندها دكتاتوریة البرولیتاریا ، إلا أن هذه الدكتاتوریة لا تعدو كونها سبیل إلى التحول من الرأسمالیة إلى المجتمع الجدید ، عن طریق تدعیم نظام الملكیة الجماعیة ومحاربة الأیدیولوجیات العقلیة ، والأخلاقیات التقلیدیة ، فتقضى على كل صور اغتراب  الإنسان وتحقق الدیمقراطیة

أولا : الاتجاهات النظریة في العصور القدیمة :

عند دراستنا وتحلیلنا للظواهر السیاسیة بصفة خاصة ، و للظواهر الاجتماعیة بصفة عامة ، فإن تلك الدراسة و ذلك التحلیل لا یستقیمان إلا إذا ما أخذنا في الاعتبار موضوعين أساسین ،أولهما : هو الرجوع إلى  الجهود العلمیة والفكریة الجبارة ، الناتجة عن جهود العدید من المفكرین والفلاسفة في العصور القدیمة ، التي سبقت نشأة الدولة بمفهومها الحدیث ، أما الموضوع الثاني : فیتمثل في بروز بعض الفلاسفة والمفكرین كرواد في هذا المجال ، لهم توجهاتهم الفكریة التي برزت من خلال الواقع المعاش في مجتمعاتهم ، ولا تزال صالحة للقیاس علیها عند معالجة بعض القضایا الأساسیة التي یتناولها العلم في عصرنا الراهن .

الفكر السیاسي الإغریقي القدیم : ·

فإذا ما نظرنا إلى الفكر السیاسي الإغریقي ( الیوناني) القدیم ، فإننا نلاحظ أهمیة الأفكار والتو جهات النظریة لبعض الفلاسفة الذین برزوا في ذلك العصر، ومن أهمهم أفلاطون ، الذي مزجت فلسفته السیاسیة بین الواقعیة والمثالیة ، حیث نجد ذلك في مؤلفاته ، أو محاوراته السیاسیة التي برزت ، مثل (الجمهوریة) التي رسم فیها الخطوط الرئیسة للمدینة الفاضلة ، كما أن تحلیلاته السیاسیة في مؤلفیه ( السیاسي ) أو ( رجل الدولة ) ، و( القوانین ) ، محاولة جمع فیها نظریته السیاسیة والأخلاقیة والقانونیة والفلسفیة ، فعكست محاولاته طبیعة نظام الدولة  دولة المدینة  باعتبارها الوحدة السیاسیة الرئیسة ، كما أن تحلیلات أفلاطون عن الطبقات الاجتماعیة ، خلقت معادلة اجتماعیة واقتصادیة ونفسیة ، حیث ربط بین الحاجة والطبقة والنفس ، مركزا على البناء الاجتماعي الذي یقوم على أساس طبقي لغرض العمل على إشباع حاجات مجتمع المدینة وتحقیق ذاتیة كل طبقة .

إن جوهر أفكار أفلاطون ، هو محاولته تجاوز الواقع المریر الذي یعصف بالمجتمع الیوناني من مشكلات وصعوبات ، والبحث عن مجتمع یخلو من كل المظاهر والظواهر الاجتماعیة السلبیة ، من هنا جاء كتابه ( الجمهوریة ) ، الذي طرح من خلاله مجتمع المدینة الفاضلة ، تلك المدینة التي تقوم على الفضیلة والعدالة ، والحكم الصالح الذي تتحقق في ظله هذه القیم المعنویة العظیمة ، وعلى عكس ما یراه السفسطائیون بأن العدالة هي ( مصلحة الأقوى ) أو ( فعل ما هو في مصلحة الأقوى ) فإن أفلاطون یرى أن لعدالة ( فضیلة عامة وخاصة ) ، فالفرد العادل لا یمكن أن یعیش إلا في دولة عادلة ، .( والفرد الفاضل لا یمكن أن یعیش إلا في دولة فاضلة) إذن فإن أبرز أفكار أفلاطون ، التي یرى أنه من شأنها تأسیس المدینة الفاضلة التي تناولها في كتابه ( الجمهوریة ) ، تتمثل في أن الفضیلة هي المعرفة ، والتخصص وتقسیم العمل ، والفئات والطبقات الاجتماعیة ، والأنفس ، والعدالة ، والتربیة والتعلیم ، :( والرأي العام ، ونظم الحكم ، وعلى هذا الأساس ظهرت طبقات اجتماعیة هي)

أ  الحكام : وهم یمثلون رأس المجتمع أو عقل المجتمع ، ویكون أفراد هذه الطبقة من الفلاسفة والحكماء الذین ینبغي أن تتوفر لدیهم الحكمة والشجاعة والعدالة ، وبالتالي فإنهم مؤهلین لممارسة الحكم ، وكان أفلاطون یعتقد أن واجب الحاكم هو أن یحمل الناس على طاعة القوانین بقوتي : الاحترام وهو عن طریق المعرفة ، والخوف وهو بطریقة قوة الحاكم ، ویرمز لهذه الطبقة بالذهب .

ب  الجند : ویمثلون قلب المجتمع ، وأفراد هذه الطبقة لهم امتیازات وحقوق وواجبات تتمثل في أحقیتهم بالحكم ، ولكن تحت رقابة وتوجیه ، أما وظیفة هذه الطبقة فهي الدفاع وحمایة الدولة داخلیا وخارجیا ، حیث تتوفر فیهم ، حسب رأي أفلاطون ، النزعة الغضبة أو الشجاعة ، كما یجب أن يتدربوا ا علیها ، وكذلك على عدم الخوف من الموت ، والاعتدال في الأكل والشرب والحب ، ویرمز لهذه الطبقة بالفضة .

ج  العمال أو المنتجین : وهم یمثلون الشهوة أو بطن المجتمع ، وهم یتولون مهمة العملیة الإنتاجیة ( زراعیة ، حرفیة ، تجاریة ... الخ ) ، وتحتل هذه الطبقة المكانة الدنیا بین طبقات المجتمع ، وقد رمز لها بالحدید أو النحاس .

تأسیسا على ذلك ، فإن أفلاطون یعد بحق ( أبو الفلسفة السیاسیة ) ، حیث أثرى الفكر السیاسي بمساهماته التي تركت بصماتها على جهود العلماء الفكریة ، وتحلیلاتهم السیاسیة ، رغم ما یؤخذ علیه من محدودیة أفكاره التي جاءت انعكاسا لدول المدینة في عصره ، وتأثره بالوضع السائد ، ویمكن أن نوجز مساهمات أفلاطون في الفكر السیاسي بالآتي :

من أهم أفكار أفلاطون الخالدة فكرة أرستقراطیة المثقفین ، بمعنى أن السلطة السیاسیة  یجب أن لا تعطى للأغنى أو الأقوى أو للأكثر عراقة ، ولكن یجب أن تعطى للأكثر تعلیما ومعرفة ، وهو ما یعد من الأفكار التي مازالت قائمة في العصر الحالي ، حیث أن التعلیم شرط أساس للنخبة الحاكمة . كما أن أفكاره في دیمقراطیة التعلیم والمساواة المطلقة في تكافؤ الفرص ، تعد من  الأفكار الخالدة ، حیث نادى بجعل الدولة مؤسسة تعلیمیة ، بإیجاد نظام للتعلیم العام تعطى فیه الفرصة لكافة أبناء الشعب وطبقاته ، بصرف النظر عن الوضع الاجتماعي أو الجنس .

وكانت له أفكاره وآراءه في تدهور الحكومات ومیلها للانهیار إلى الأسوأ ، نتیجة لتغلب نزعات أدنى عند الحكام  كان أفلاطون أول من قال بأن المجتمع مكون من أنظمة متصلة الواحدة بالأخرى ، وهذه الأنظمة هي النظام السیاسي ، والنظام الأسرى ، والنظام الدیني ، والنظام الاقتصادي ، كما أنه یعتقد بأن أي تغییر یطرأ على أحد هذه الأنظمة لابد أن ینعكس على بقیة أنظمة المجتمع .

وضح أفلاطون العلاقة بین الفرد والدولة ، بقوله أن رئیس الدولة الذي ینبغي أن یكون خبیرا بالفلسفة ، یجب أن یضحي بنفسه من أجل خدمة المجموع ، كما یعتقد بأن الجماعة أهم من الفرد ، لذلك ینبغي على الفرد التضحیة من أجل تحقیق طموحاتها وأهدافها ، لذا یعده المتخصصین من أول زعماء الاشتراكیة و المبشرین بها .

كما یعتقد بأن العدالة لا یمكن أن تتحقق في المجتمع دون اعتماده على مبدأ تقسیم العمل والتخصص فیه، إذ أن كل فرد من أفر اد الطبقات الثلاث یجب أن یؤدي العمل المؤهل له من الناحیة الوراثیة ، كما ینبغي على كل طبقة القیام بعملها الخاص دون تدخلها بمهام ومسؤولیات الطبقات الأخرى ، مما جعل تقسیمه للطبقات الثلاث في المجتمع تقسیما صارما لا یجب على أي فرد الخروج عنه.

الفكر السیاسي المسیحي : ·

كذلك فإن الفكر السیاسي المسیحي یمكن تصنیفه في إطار النظریة السیاسیة الأخلاقیة ، التي یؤكد روادها على ضرورة الربط بین السیاسة والأخلاق ، انطلاقا من الموجهات الدینیة والثقافیة والاجتماعیة التي مرت بها مجتمعات العصور القدیمة والوسطى بصورة خاصة ، مثله في ذلك مثل الفكر السیاسي الإغریقي ، ویظهر هذا جلیا عندما (1274  1225) ، الذي یعده بعض – نتناول الفكر السیاسي عند " توما الاكو یني  مؤرخي الفكر السیاسي خلال العصور الوسطى المسیحیة ، من أهم المفكرین الذین تناولوا أرسطو ونظریته السیاسیة بالشرح والتحلیل ، خلال القرن الثالث عشر المیلادي ، لقد تناول " الاكویني " الأفكار والقضایا السیاسیة التي أهتم بها أرسطو بصورة عامة ، فظهر ذلك في أفكاره ونظریته عن الدولة والقوانین على سبیل المثال ، فحرص أن یخضع الجمیع لطبیعة السلطة القانونیة ما جعله یربط عموما بین السلطة أو نظام الحكم والنظام القانوني لذا فإن أفكاره كانت تنطوي على أهم الأفكار السیاسیة التي دارت في العصور الوسطى ، حول العلاقة بین السلطتین الروحیة والزمنیة ، وحیث كانت تتفاوت شدة هذه الأفكار تبعا لقوة الخلاف بین هاتین السلطتین ، أي بین البابا الذي یمثل السلطة الأولى ، والملوك والحكام الذین یمثلون السلطة الثانیة ، ویرى " الاكویني " أن الإنسان هو أقرب المخلوقات لله لأنه یتكون من بدن وروح ، أما المجتمع بشكله الطبیعي فله غایاته وأهدافه ، ویقوم على تبادل الخدمات والمنافع من أجل الحیاة الطیبة ، إذن فهو یحتاج إلى هیئة حاكمة تسیر شئونه ، وعلى ذلك فإن الحكم أمانة في عنق الجماعة كلها ، وسلطة الحاكم مستمدة من الله بقصد تنظیم حیاة سعیدة للبشر ، غیر أن السلطة یجب أن تكون محدودة ، وأن تسیر أعمالها وفقا للقانون و قد تناول كتاب الاكویني (حكومة الأمراء ) ، توجهاته النظریة التي تجسد فكره الاجتماعي السیاسي ، الذي عكس مرحلة احتدام الصراع الضیق بین البابویة والأباطرة، عاكسا أیضا لتأثره الواضح بأفكار أرسطو ، فأكد الاكویني على أهمیة القانون في تنظیم شئون المجتمع ، وأهمیته في تبریر شرعیة وجود السلطة السیاسیة في إطار من التحلیلات الأخلاقیة ، وحیث أنه كان یؤكد على أن لا وجود لسلطة سیاسیة بدون قانون ، فإنه انتقد كثیرا نظام الحكم الاستبدادي ، بل وحث الجماهیر على ضرورة مقاومة هذا النوع من الحكم ، على أن تكون المقاومة في إطار شرطین أساسیین هما : أن تكون المقاومة حق مكفول لكل أفراد الشعب ، وأن یحرص الشعب على أن تكون مقاومته إیجابیة بحیث تؤدي إلى ظهور نظام حكم جید ، وهذا ما نجده یظهر في تحلیلات علماء الاجتماع السیاسي عند دراستهم للحركات الاجتماعیة والتحرریة كقضایا مهمة في العصر الحدیث .

إن اهتمام الاكویني الكبیر بالقانون كعامل مهم وضروري لتنظیم العلاقة بین الفرد والمجتمع ، وبین الحاكم والمحكوم ، جعله یبحث عن الأدلة التي تبرر العلاقة الوثیقة بین القانون السماوي والقانون الإنساني ، حیث كان یعتبر القانون جزء من نظام الحكم الإلهي الذي یسیطر على كل شيء في السماء والأرض ، واهتمامه بالقانون كجزء مهم من نظریته السیاسیة جعله یدرسه دراسة وافیة ، مقسما القانون لأربعة أقسام هي :

-1 القانون الأزلي ، الذي یطابق التدبیر الإلهي مطابقة عملیة ، وهو الحكمة الإلهیة التي تنظم الخلیقة كلها ، وبذلك یسمو على الطبیعة البشریة ویعلو فوق فهم الإنسان ، مع أنه لیس غریبا عن إدراكه أو مضادا لفهمه .

. 2 القانون الطبیعي ، الذي یمكن فهمه على أنه انعكاس للحكمة الإلهیة في المخلوقات، ویتجلى ذلك في رغبة الإنسان في فعل الخیر والحیاة الطبیعیة ، وقدرته على الإدراك والسعي من أجل الطمأنینة والاستقرار النفسي.

-3 القانون الإلهي ، أو القانون ن المقدس ، و هو الوحي أو التبلیغ الذي جاء عن طریق الكتب المقدسة ، ویقوم رجال الدین بنشره بین الناس .

-4 القانون الإنساني ، حیث یرى الأكویني بأن تطبیق القوانین الثلاثة الأولى تطبیقا كاملا على البشر كان أمرا متعذرا ، لذلك هناك قانونا وضع خصیصا ليلاءم الإنسان ، كما أن مصدره إنساني خالص ، وهو تطبیق للمبادئ العظمى لنظام سائد من قبل في العالم ، یتسم بالخصوصیة ، أي أنه ینظم حیاة الجنس البشرى دون سائر المخلوقات ، كما أنه ناتج عن جهود الناس جمیعا من خلال تفاعلهم من أجل المصلحة العامة ، نابع من عقول،ه م وعر فه بأنه : شریعة تستهدف الخیر العام ، أملاها العقل ، وصاغها من یرعى شئون الجماعة ، ثم أشهر ت .

الفكر السیاسي الإسلامي : ·

أما إسهامات المفكرین السیاسیین الإسلامیین فقد كانت منبعا خصبا أدى إلى تطور وازدهار العلوم السیاسیة والاجتماعیة بوجه عام ، یأتي في مقدمتهم ابن خلدون ، و ابن الأزرق ، والفارابي ، والكثیرین غیرهم . لقد ساهم " ابن الأزرق " والمعروف بأبي عبدا لله محمد بن الأزرق الذي توفى سنة1491 ، مساهمة فعالة في التأسیس لعلم الاجتماع السیاسي ، خاصة في كتابه ( بدائع السلك في طبائع الملك )، الذي یعده البعض محاولة جدیدة لتنظیم أفكار ابن خلدون في مجال المیدان السیاسي والاجتماعي ، حیث ركز على دراسة عدد من الظواهر السیاسیة ، مثل السلوك السیاسي للحكام والمحكومین ، ونظام الدولة ، وأنماط الحكم السیاسي في المجتمعات البدویة والحضریة ، كما ناقش أشكال الخلافة والعوائق التي تواجه الملك والخلافة ، وغیر ذلك من الموضوعات ذات العلاقة ، التي یعدها المتخصصون ن من أهم . التحلیلات في دراسة أنماط السلوك السیاسي Political Behaviorإن كتاب ابن الأزرق ، الذي قسمه إلى مقدمتین وأربعة كتب ، یعد بلغة علم الاجتماع السیاسي المعاصرة ، دراسة في أنماط السلوك السیاسي ، فقد كانت المقدمة الأولى تبحث في تقریر ما یوطن في النظر فيا لملك عقلا ، أما المقدمة الثانیة فتتناول تمهید في أصول من الكلام فيا لملك شرعا ، أما كتبه الأربعة فقد كانت مخصصة لدراسة السیاسة من جوانبها المختلفة ، حیث تناول الكتاب الأول حقیقة الملك والخلافة وسائر أنواع الرئاسات ، أما الكتاب الثاني فیعالج أركان الملك وقواعد بنائه ، ویتناول الكتاب الثالث ما یطالب به السلطان تشییدا لأركان الملك وتأسیسا لقواعده ، والكتاب الرابع خصصه لمعالجة عوائق الملك وعوارضه ، أي الصعوبات التي تصادف الحاكم في بناء النظام و إمكانية تعرضه للانهیار وحدوث تغیرات سیاسیة ، وبذلك كان هذا التقسیم منطقي إلى حد كبیر، حیث یبدأ بالأسس والقواعد العامة التي تقوم علیها معالجة الأنظمة السیاسیة ، ویتدرج بعد ذلك إلى معالجة مقومات نظام الحكم وأركانه ، ثم یتعرض إلى ما یجب أن یكون علیه سلوك الحكام للحفاظ على نظام الحكم ، ثم العوامل المؤثرة في المحافظة على نظام الحكم القائم ، والصعوبات التي تواجه ذلك ، وكیفیة التغلب علیها .

ثانیا : الاتجاهات النظریة الحدیثة والمعاصرة :

الاتجاهات النظریة منذ عصر النهضة :

 بعد أن كان المجتمع الأوروبي یرزح تحت · وطأة العوائق والقیود التي كانت تحیط به في العصور الوسطى ، فقد شهد تغیرات اقتصادیة كبیرة منذ نهایة القرن الخامس عشر كان لها أثرا كبیرا على الحیاة السیاسیة والاجتماعیة ، حیث لم یعد نظام الحكم الذي ساد في الماضي صالحا لحركة التجارة والصناعة التي اتسعت دوائرها ، نتیجة لتقدم وسائل المواصلات وفتح الأسواق الجدیدة ، فكانت بدایة التغییر بانهیار الكنیسة الكاثولیكیة بفعل الثورة البروتستانتیة التي مزقت البناء الانتربلوجي القدیم من داخله ، ذلك البناء الذي یتضمن توجیها أیدیولوجیا لواقع متمیز المعالم من حیث تفاعلاته وعلاقته وضوابطه وظواهره ونظمه الاجتماعیة ، وهى المكونات التي ترجع في مركزاتها الأساسیة إلى ما تملیه الدیانة الكاثولیكیة ، وساعد انهیار البناء الثیولوجي القدیم إلى انهیار البناءات الاجتماعیة الواقعیة ، فوجد المجتمع الأوروبي نفسه في حالة من اللامعیاریة واللانظامیة ، فكان علیه بأن یتجه أفراده إلى التحرر أولا ، ومن ثم ألحاجات الواقعیة الملحة ، والبحث عن واقع جدید في إطار نظام اجتماعي مستحدث على أسس جدیدة.

إن تلك التغیرات التي حدثت في المجتمع الأوروبي بما صاحبها من انهیار وإعادة بناء ، قد خلقت نوعا من التفكیر المستنیر العلمي بعد سیادة التفكیر اللاهوتي في مراحل سابقة ، وقد أسس ذلك لبدایة عصر جدید یحترم تفكیر الأفراد واستخدام العقل في حل المشاكل الاجتماعیة والسیاسیة ، و معالجة الانحطاط الأخلاقي المسیطر على المجتمع الأوروبي في حینه ، بحیث انعكس كل ذلك على التوجهات السیاسیة التي طورت على ید العدید من المفكرین الإنجلیز والفرنسیین والإیطالیین ، الذین عمدوا ، كما هو الحال لدى الطبقة الوسطى التجاریة ، إلى إحداث تغییرات اجتماعیة وسیاسیة تهدف إلى تنظیم المجتمعات الأوروبیة بما یتلاءم مع العصر الجدید .

نظریات العقد الاجتماعي  Social Contract Theories

برزت نظریات العقد الاجتماعي ، والتي یطلق علیها أحیانا نظریات العقد السیاسي، في أعقاب عملیات الانهیار والتجدید في البنى المختلفة التي تعرض لها المجتمع الأوروبي إبان القرنین الخامس عشر والسادس عشر، لتعكس مرحلة تاریخیة سیاسیة جدیدة لم تعرفها المجتمعات الإنسانیة من قبل ، وحیث أن نقطة البدایة قد تأسست خلال هذه الفترة ، إلا أن صیاغة المجتمع الجدید قد استغرقت الفترة ما بین عصر النهضة وعصر التنویر، أي الفترة التي استمرت حتى نهایة القرن الثامن عشر، وطرحت خلالها تصورات عدیدة متباینة ومتناقضة أحیانا ، إلا أنها جمیعا تتفق على عدم كفاءة النظام الثیولوجي القدیم وتجسداته الدافعیة لتنظیم الحیاة المجتمعیة ، والبحث عن تأسیس نظام جدید یعطي للإنسان مساحة أرحب للمشاركة في صنع النظام الذي یدعم مشاركته في المجتمع ویساعد على النمو الملائم لإمكانیاته ، لذا فإن الفكر السیاسي خلال تلك الفترة ، خطى خطوات سریعة نحو طرح العدید من الأفكار التي من شأنها أن تعزز السلطة السیاسیة ، وتضمن وجود حدود شرعیة متعاقد علیها بین الحكام والمحكومین( 1)، تمثل ذلك في الآراء التي جاء بها كل من " هو بز " و "لوك " و " روسو "، فیما كون بعد ذلك نظریات العقد الاجتماعي. 

الاتجاهات النظریة في العصر الحدیث

: شهدت الفترة التاریخیة التي عایشتها ·المجتمعات الأوروبیة ، والتي أتفق على تسمیتها بعصر الإصلاح والتنویر والممتدة تقریبیا حتى نهایة القرن السابع عشر ، الكثیر من الأحداث والتغیرات السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة ، التي أدت إلى انتقال تلك المجتمعات نقلات نوعیة كبیرة ، كما تجسدت أهم نتائجها كذلك خلال القرن الثامن عشر ، التي كان من أبرزها قیام الثورة الفرنسیة سنة1789 ، بالإضافة إلى التطور الاقتصادي الصناعي في بریطانیا ، و شهدت ألمانیا  خلال تلك الحقبة الزمنیة تقدما ثقافیا ملحوظا ، فقد أدى تعدد هذه الأحداث التاریخیة والسیاسیة ومظاهرها الاجتماعیة والثقافیة ، وذلك مع بدایة القرن الثامن عشر وخلال القرن التاسع عشر، إلى ظهور مجموعة من النظریات السیاسیة التي تم تصنیفها في إطار النظریات السیاسیة الحدیثة ، وقد كانت انعكاسا لمرحلة تاریخیة وسیاسیة جدیدة وهي مرحلة العصر الحدیث.

خلال هذه المرحلة الحدیثة ، ظهرت مجموعة جدیدة من العلماء السیاسیون الاقتصادیین والاجتماعیین الذین یصنفون تحت علماء مرحلة العصر الحدیث ، ووضعوا الكثیر من النظریات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة التي عبرت عن ملامح الحیاة في المجتمعات الحدیثة وخاصة في الوقت الحاضر وكما هو متبع في هذا الكتاب ، سنعرض نموذج واحد من النماذج النظریة التي برزت خلال هذه المرحلة ، وكان لها تأثیرات لاحقة امتدت خلال قرون من الزمن ، بل ومازال الجدل حولها إلى الآن بین مؤید ومعارض ومردد وناقد ، كما هو الحال حول المواضیع والتوجهات النظریة الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة المهمة ، حیث أن الاختلاف في وجهات النظر العلمیة هو أساس تقدم هذه العلوم .

1)النظریة الماركسیة :

شهد القرن التاسع عشر طرح أفكار سیاسیة متعددة تبلورت في العدید من النظریات، منها اللیبرالیة النفعیة ، والاشتراكیة المثالیة ، حتى جاء " كار ل ماركس "( 1818 _ 1883)، لیضیف نظریة جدیدة سمیت نسبة إلیه بالماركسیة ، فقد تأثر في ذلك بأحوال ألمانیا التي ولد بها ، وبالأحوال السیئة التي كانت تعیش بمقتضاها الطبقة العاملة ، خاصة ما نتج عن التصنیع وعدم نیل الطبقة العاملة لثماره ، كما تأثر بعدم تطبیق المساواة التي تعد أساس الدیمقراطیة الغربیة ، وقد كانت أفكاره تؤكد على أن النظام اللیبر الي ، الذي كان سائدا في الغرب ، لم یعد یتمشى مع مرحلة التصنیع ، وأن ذلك النظام لا يمكن إصلاحه انما يجب احلال بديل عنه لقد كان للعدید من العوامل الأثر الفعال على أفكار " ماركس " ، فقد أنتقل من ألمانیا إلى انجلترا التي عاش فیها معظم حیاته منفیا ، و درس القانون ثم التاریخ والفلسفة ، وعمل بالصحافة ، وعندما أغلقت الصحیفة التي كان یعمل بها ، رحل إلى باریس ودرس الاقتصاد السیاسي ، وقد ط ُرد من باریس فلجأ إلى بروكسیل ، وقد شاركه أفكاره الثوریة التي تمیز بها زمیله وصدیقه " فردریك إنجلز " ، كما أنه مارس السیاسة منذ صغره – في نحو الثلاثین من عمره – عندما قام مع صدیقه إنجلز بكتابة أهم أعماله ( بیان الحزب بالشیوعي ) بتكلیف من ( عصبة الشیوعیین ) وهي جمعیة عمال أممیة سریة ، وذلك في مؤتمرها المنعقد بلندن في نوفمبر 1847 ، حیث ن شر هذا العمل بعدة لغات ، كما أن من أهم مؤلفاته أیضا والتي تبلورت من خلالها أهم أفكاره النظریة ، كتاب ( رأس المال ) ، و( الإیدیولوجیة الألمانیة ) ، و( الصراعات الطبقیة في فرنسا ) ، و ( مساهمة في نقد الاقتصاد السیاسي ) ، و غیرها العدید من الأبحاث والمؤلفات في كافة المجالات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والفلسفیة .

 ویمكن أن نلخص إسهامات " كارل ماركس " النظریة في الآتي : فسر المجتمع تفسیرا مادیا بحثا ، لاغیا كل التفسیرات المیتافیزیقیة – اللاهوتیة التي كانت سائدة في العصور القدیمة .

 من الناحیة الفلسفیة فقد أخذ عن " هیجل " فكرة الدیالكتیكیة أو الجدلیة على أساس أن العالم قائم على التطور وفقا لعملیة دینامیكیة ولیست الستاتیكیة جامدة ، وان هذه العملیة تتكون في شكل متناقضات والتولیف بینها ، إلا أنه اختلف عن " هیجل " الذي طبق ذلك على الأفكار الصرفة ، أما " ماركس " فقد طبقها على السلوك المادي ، حیث یر ى أن المادة هي أساس الوجود ، وتبلور عن ذلك ثلاثة أسس قامت علیها الجدلیة المادیة الماركسیة

1_ وهي قانون وحدة الأضداد وصراعها ، القائم على الإیمان بأن كل شيء یحتوي نقیضه ، أي یحتوي على الشيء وضده أو السالب والموجب ، وأن هذا التناقض یولد الصراع الذي یؤدي إلى التطور ، وینطبق ذلك على النظام الرأسمالي ، یر ى ماركس أنه قائم على

طرفین هما : البرجوازي الذي یمتلك وسائل الإنتاج ، والعامل (البرولیتار ي ) ، وهما متناقضان ومتضادان ومتصارعان ، ومن تصارعهما یتم التقدم ویسیر التاریخ وفقا للحتمیة التاریخیة ، من مرحلة الرأسمالیة إلى مرحلة دیكتاتوریة البرولیتاریا ومنها إلى الشیوعیة .

2_قانون حول التغیرات الكمیة إلى نوعیة أو كیفیة ، حیث أن التاریخ – المتمثل في الصراع الطبقي – في انتقاله من مرحلة إلى أ خر ى ، یمر في أول الأمر بتغیرات كمیة لیس لها تأثیر كیفي كبیر أو واضح، ولكن تراكمها یحدث فجأة تغییرا كیفیا یكون عن طریق الثورة التي تغیر المجتمع وعلاقاته تغییرا كیفیا .

3_قانون نفي النفي أو سلب السلب ، الذي بموجبه ینتقل التاریخ من مرحلة إلى مرحلة ، وكل مرحلة هي نفي للمرحلة السابقة علیها ، فبعد مرحلة الشیوعیة الأولى أو البدائیة جاءت مرحلة العبودیة نفي لها ، ومرحلة الإقطاع نفي لمرحلة العبودیة ، ومرحلة الرأسمالیة نفي لمرحلة الإقطاع ، ومرحلة الاشتراكیة نفي لمرحلة الرأسمالیة، ویر ى ماركس أن مرحلة الاشتراكیة هي نفي النفي ، أي نفي للرأسمالیة التي هي بدورها نفي لسابقتها ، وهكذا ،ك ما یر ى أن كل مرحلة لا تنفي سابقتها فقط ، بل أنها تظهر متناقضات لا تحل إلا عن طریق عنصر جدید یتضمن الجانب الایجابي أو الصالح من المرحلة التي یجب أن تزول ، لذلك فإن كل مرحلة لاحقة تعتبر أسمى من سابقتها .  من الناحیة التاریخیة ، فإن ماركس یر ى أن العامل المادي هو العالم الحقیقي وانٕ الأفكار والمشاعر هي انعكاس للحقیقة ، وقد قسم تاریخ البشریة إلى خمس مراحل رئیسیة ، وذلك طبقا لعلاقات الإنتاج القائمة بین من یملك وسائل الإنتاج والمشتغلین بالإنتاج ، وهذه المراحل هي :

1_ مرحلة الشیوعیة الأولى ، أي مرحلة المجتمع البدائي وشیوع الملكیة ،

2_ومرحلة العبودیة التي ظهرت في المجتمع الإغریقي والروماني عندما ظهرت الملكیة

الخاصة وبالتالي نظام الرق والعبید كطبقة ، وظهور نظام الأسیاد كطبقة أخرى ، حیث بدأ الصراع بین العبید وأسیادهم ، ما أدى إلى ظهور نظام جدید ناتج عن ذلك الصراع ،

3_ثم مرحلة الإقطاع أو مجتمع القرون الوسطى الإقطاعي ، وتمیزت هذه المرحلة بوجود الملكیة الخاصة وبوجود الطبقات كسابقتها ، إلا أن الطبقات التي وجدت بها هي طبقة النبلاء وأمراء الإقطاع وطبقة العبید ، وبتطور التكنولوجیة الحدیثة حینها تكونت طبقة جدیدة وهي طبقة البرجواز یة التي بدأت في وقتها ثوریة ، ونشأ بینها وبین طبقة النبلاء صراع أنتج نظام آخر ومرحلة جدیدة ، فظهرت مرحلة الرأسمالیة أو مرحلة المجتمع الرأسمالي ، ذلك النظام الذي نتج عن انتصار الطبقة البرجوازیة التي حطمت النظام الاقتصادي الإقطاعي .

و یر ى ماركس أن النظام الرأسمالي یحمل بذور فنائه في طیاته ، حیث أوجد طبقة ثانیة تتعارض مصالحها مع مصالح الطبقة البرجوازیة وهي طبقة العمال ، أدى ذلك إلى تمیز هذه المرحلة بوجود طبقتین متعارضتین ، و بتعدد أوجه النشاط الاقتصادي وتنوعه ، وكذلك بالتطور التكنولوجي في وسائل الإنتاج .

أما المرحلة الأخیرة كما یرى ماركس ، فهي النظام الاشتراكي أو مجتمع المستقبل الاشتراكي الذي سیرث النظام الرأسمالي ، وهو أولى خطوات الشیوعیة التي ینشد تحقیقها ، كما یر ى أن هذا النظام حتمي الحدوث وفقا للمادیة التاریخیة ، ویتمیز هذا النظام بسیادة طبقة واحدة هي طبقة  البرولیاتر یا  ، وذلك بعد تحقق الوعي الموضوعي للبرولیتاریا ، بحیث تصبح المصالح النسقیة ولیست الطبقیة هي المقیاس الحقیقي لوعي السلوك الإنساني ، ثم قیام ثورة البرولیتاریا التي یعدها ماركس بدایة التاریخ ، حتى یتم التحول إلى الشیوعیة وتختفي الطبقیة نهائیا ، وعلیه فإن قمة الجدلیة والتطور التاریخي هي قیام مجتمع شیوعي یختفي فیه الاغتراب ، أي الرجوع إلى الشیوعیة البدائیة الأولى .

الاتجاهات النظریة في الفكر الجماهیري :

 الفكر الجماهیري الجدید الذي تناوله الكتاب · الأخضر ، والذي جاء في إطار النظریة العالمیة الثالثة ، یتمیز بالتقدم النوعي فیما یخص المفاهیم الأساسیة لعلم الاجتماع السیاسي ، حیث تقدم النظریة الجماهیریة حلا متكاملا للقضایا السیاسیة التي تواجهها المجتمعات البشریة ، فضلا عن الحلول الاقتصادیة والاجتماعیة التي تساهم في بناء النظام المجتمعي السلیم ، فلم تكتفي هذه النظریة بطرح المشاكل وإضافة الأسئلة حول تلك المشاكل التي تواجهها الجماهیر الشعبیة المكبّلة بقیود زیف الدیمقراطیات التقلیدیة ، بل تطرح الحلول لكل ما یواجه الإنسان وهو یعیش حیاته كإنسان كرمّه الله وجعله حر ا.

لقد أكد المتخصصون ن من علماء السیاسة والاجتماع عند تحدیدهم لمجال علم الاجتماع السیاسي ، بأن أهم ما یتناوله هذا العلم هو دراسة الأسس الاجتماعیة للقوة ، التي هي أساس الحراك الاجتماعي ، وفي ضوء ذلك فإن المهمة الرئیسیة لهذا العلم هي التركیز على دراسة التنظیم الاجتماعي ودراسة التغیر الاجتماعي ، في حین أن النظریة الجماهیریة حددت بشكل واضح ودقیق مصادر القوة في المجتمع ، ومن ثم كیفیة السیطرة علیها جماهیریا ، حیث إن التسلسل الفكري المنطقي یؤكد على أن الذي یملك القوة هو ذاته الذي یملك السلطة ، وأن السلطة یجب أن تكون بید الشعب ، علیه فإن الشعب ( المجتمع ) یجب أن یسیطر على القوة وعلى مصادرها حتى یمتلك السلطة ، وفي ذات الوقت فإن السلطة تمنح المسیطر علیها القوة ، بذلك یؤكد الفكر الجماهیري على أن السلطة للشعب ولا سلطة لسواه ، یمارسها عن طریق المؤتمرات الشعبیة التي تقرر، واللجان الشعبیة لاتي تقوم بتنفیذ القرارات الصادرة عن تلك المؤتمرات الشعبیة . و اذا تتبعنا تركیبة المجتمع الرأسمالي المكونة من جملة من المعطیات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة ، باعتباره النموذج الأول ، وقمنا كذلك بتتبع تركیبة المجتمع الماركسي أو الاشتراكي الذي یعده أصحابه انقلابا على المجتمع الرأسمالي واعتباره نموذجا ثانیا ، نجد أن البنى السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة ، رغم التغیر الشكلي أو الظاهري ، فهي امتداد لبنى المجتمع الرأسمالي ، وعلى سبیل المثال فإن دیكتاتوریة الأحزاب في النموذج الأول تقابلها دیكتاتوریة الطبقة في النموذج الثاني ، كما أن رأس المال الذي كان بید الأفراد ، أصبح بید الدولة ، والنتیجة فإن النظام الاجتماعي تقل ّب ولم یتغیر ، حیث أن المشكل السیاسي لم یحل ، وكذلك المشكل الاقتصادي والمشكل

الاجتماعي ، إذن فإن الرأسمالیة والماركسیة وجهان لعملة واحدة ، یمكننا الوصول إلى . أحدهما بقلب الوضع نفسه دون الانتقال إلى وضع جدید لقد بشر الكتاب الأخضر بعصر الجماهیر ، كاشفا الخداع والزیف السیاسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تمارسه القلة المسیطرة على أسس القوة ، فدعى الفكر الجماهیري إلى أن تكون مصادر القوة الثلاث السلطة والثروة والسلاح بید الشعب ، فیتحرر أفراد المجتمع من السیطرة المفروضة علیهم جراء سیطرة قلة قلیلة ، سو اء كانت فردا أو حزبا أو طائفة أو قبیلة أو طبقة ، لیحكم الشعب نفسه بنفسه عن طریق المؤتمرات الشعبیة واللجان الشعبیة ، كما أن أصحاب المهنة الواحدة ینظرون تحت نقابة مهنیة تنظم شئونهم من الناحیة المهنیة ، فالفكر الجماهیري الجدید ، عندما یؤكد على أن السلطة للشعب یمارسها عن طریق مؤتمراته الشعبیة ولجانه الشعبیة ، إنما یقدم حلا جدیدا لمشكلة الدیمقراطیة التقلیدیة التي كانت ولا تزال سائدة في العالم والمعتمدة على المجالس النیابیة التي تحكم نیابة عن الشعب ، فالأساس في الحكم ، كما جاء في النظریة الجماهیریة ، هو حكم الشعب لا حكم سلطة نائبة عنه ، ( فلا نیابة عن الشعب والتمثیل تدجیل ) .

وعلیه فإن الكتاب الأخضر یوضح أن ( المجلس النیابي یقوم أساسا نیابة عن الشعب ، وهذا الأساس ذاته غیر دیمقراطي ، لأن الدیمقراطیة تعني سلطة الشعب لا سلطة نائبة عنه ... ومجرد وجود مجلس نیابي معناه غیاب الشعب ، والدیمقراطیة.( الحقیقیة لا تقوم إلا بوجود الشعب نفسه لا بوجود نواب عنه )أما الحزب فهو أداة الحكم الدیكتاتوریة الحدیثة ، لأن الحزب جزء من الكل الذي هوالشعب ، أي أن ممارسته للحكم یعني حكم الجزء للكل ، أما الدیمقراطیة التي یضفیها على هذا النوع من الحكم ، الذي ینتفي فیه وجود الفرد الحاكم ، فهي دیمقراطیة زائفة ، لاتعطي حقیقة الواقع السیاسي للمجتمع ، خاصة وان الحزب یتكون من مجموعة من الأفراد ذوي المصالح الواحدة ، أو الثقافة الواحدة ، وما إلى ذلك ، فإن هدفهم الأساسي هو الوصول إلى الحكم لاستعمال السلطة في تحقیق ذلك ، فالحزب ، كما یشیر إلى ذلك الكتاب الأخضر ، أداة حكم دكتاتوریة ، والغرض من تكوینه هو خلق أداة لحكم الشعب ، ( والأحزاب في صراع ضد بعضها ، إن لم یكن بالسلاح ، وهو النادر، فبشجب وتسفیه أعمال بعضها بعضا ، تلك معركة لابد أن تدور فوق مصالح المجتمع الحیویة والعلیا ) ، علیه فإن ( الحزبیة إجهاض للدیمقراطیة ) ، كذلك فإن النظام السیاسي الطبقي لا یختلف عن النظام السیاسي الحز بي من حیث أن الطبقة لیست المجتمع كله ، بل هي مجموعة تضمها مصالح واحدة ، مثلها مثل الحزب والطائفة والقبیلة . إن الحل النهائي لمشكلة الدیمقراطیة ومشكلة أداة الحكم الذي ابتدعته النظریة الجماهیریة یكمن في : ( إیجاد أداة حكم لیست واحدة من كل تلك الأدوات محل الصراع ، والتي لا تمثل إلا جانبا واحدا من المجتمع ، أي إیجاد أداة حكم لیست حزبا ولا طبقة ولا طائفة ولا قبیلة ، بل أداة حكم هي الشعب كله ، ولیست ممثلة عنه ولا نائبة ) ، فالحل الأساسي في هذه النظریة هو تطبیق سلطة الشعب ، دون نیابة ولا وصایة ، حیث یمارس أفرد المجتمع سلطتهم عن طریق المؤتمرات الشعبیة ، التي تتعدد في دوائر تزید أو تنقص حسب عدد أفراد كل مجتمع ، وبذلك یتم استیعاب المجتمع كله داخل إطار أداة الحكم ، وبذلك ینتهي الاستبداد والدكتاتوریة ، لتحل الدیمقراطیة المباشرة بشكل منظم وفعال .

رابعا:القضايا التي يتناولها علم الاجتماع السياسي

1 -القوة

تعد القوة من المفاهیم الواسعة الانتشار في تراث ، علم الاجتماع الغربي ، وا ذٕا ما أصبح هذا الانتشار بشكله الأوسع في علم الاجتماع العام أو علم الاجتماع السیاسي في الكتابات المعاصرة والحدیثة ، فإنه قد أستخدم أیضا منذ القدم في زمن الفیلسوف أرسطو ، خاصة في الأدب السیاسي ، حیث درج على استعماله في الحدیث عن الشؤون السیاسیة الداخلیة ، ویستعمل مفهوم القوة على مستویات ثلاث :

- ا لمستو ى الفردي والعلاقة بین الأشخاص .

- مستوى الجماعة الاجتماعیة والعلاقات بینها .

- مستوىا لدولة والنظام الدولي ، حیث یمثل مفهوم القوة ر كیزة رئیسیة في دراسة العلاقات الدولیة .

إن ماهیة القوة في حد ذاتها ، تعد میدانا خصبا للبحث في إطار علم الاجتماع السیاسي ، ما دعى الكثیر من العلماء في هذا المیدان إلى طرح نظریات خاصة لمجال القوة ، باعتباره مفهوما رئیسیا یرتبط بالعدید من المفاهیم والأفكار الأخرى التي تندرج جمیعها تحت مجال علم الاجتماع السیاسي ، وذلك مثل : السلطة ، والنفوذ ، والعنف ، وغیرها مما یحتاج للكثیر من المعالجات النظریة ، وفي هذا الإطار ، یحدد " بو تومور ، علم الاجتماع السیاسي ، بأنه العلم الذي یعنى بدارسة القو ة Power " وذلك في إطارها الاجتماعي ، ویقصد بالقوة ، هي قدرة أحد الأفراد أو الجماعات الاجتماعیة على ممارسة هذا الفعل من أجل اتخاذ وتنفیذ القرارات ، وذلك بشكل أوسع ، وتحدید نظم وجداول العمل  من أجل صنع القرار

ویعتبر " ماكس فیبر " القوة نوعا من ممارسة القهر أو الإجبار بواسطة أحد الأفراد على الآخرین ، ویعرف " بكلي " القوة بأنها الرقابة أو التأثیر الذي یمارسه شخص ما ، أو جماعة ، على أفعال الآخرین ، لتحقیق هدف معین دون موافقتهم ، وقد یكون هذا الهدف  ضد إرادتهم أو بدون معرفتهم أو فهمهم ، وتستخدم في ذلك میكانیز مات عدیدة ، منها العنف ، أو إصدار الأوامر ، أو الإشارة إلى الجزاءات .

أما القوة السیاسیة ، فهي مصطلح یشیر إلى السلطة السیاسیة ، أي القوة القانونیة للدولة ، بمعنشىر عیة القوة أو القوة المشر عة ، وهي تتضمن اعتقاد الأفراد بأن من واجبهم طاعة الدولة ، ومن حق الدولة أن تمارس القوة والنفوذ علیهم ، لذلك فإن بعض العلماء یعد السیاسة بأنها دراسة علاقات القوة بین الناس ، إن القوة السیاسیة هي مدى التأثیر النسبي الذي تمارسه الدول في علاقاتها المتبادلة ، فهي بذلك أوسع نطاقا من العنف بأشكاله المادیة والعسكریة ، أي أنها النتاج النهائي لعدد كبیر من المتغیرات المادیة وغیر المادیة ، وبحسب هذا الحجم تتحدد إمكانیاتها في التأثیر السیاسي في مواجهة غیرها من الدول .

هذا ما یؤكده الاتجاه الذي كان سائدا خلال القرن السادس عشر عند " مكیافللي " على وجه الخصوص ، ویؤكد هذا الاتجاه أن السیاسة هي القوة ، وبهذا المعنى تكون دراسة السیاسة – كما أشرنا سابقا – هي دراسة علاقات القوة بین الناس من حیث صورها وأشكالها والنظم التي تكون معبرة بنائیا ووظیفیا عن هذه الصور والأشكال ، و یمیل أصحاب هذا الاتجاه إلى النظر إلى علم السیاسة على أنه مفرغ من أي محتوى أخلاقي ، حیث أن السیاسة عندهم تعني السیطرة ، وما یجب أن یقوم به علماء السیاسة هو ملاحظة الواقع ووصفه وتحلیله ، إلا أن القوة من منظور شامل یرتبط بها كل سلوك إنساني بصورة أو بأخرى خلال عملیات التواصل والتأثیر المتبادل ، حیث أن ظاهرة القوة  تتخلل كافة الأنشطة الاجتماعیة

2 -السلطة

السلطة هو مفهوم يرتبط بمجموعة من المؤسسات وهو مرتبط بما يصطلح عليه بالعنف المشروع ويحدد ماكس فيبر القوة بأنها طريقة أو فرصة الفرد بأن يفرض إرادته على الأخر و جعل هذه الإرادةتنتصر في قلب العلاقة الاجتماعية و يحدد السيطرة بأنها فرصة مصادفة أشخاص مستعدين للخضوع و الطاعة, ففي كل سيطرة سياسية هناك علاقة أساسية بين طرفين حاكم و محكوم و هناك أسباب متعددة تتحكم في هذه العلاقة مثل : الاحترام و الخوف و المنفعة و الانتصار و العرف.
أما النفوذ كمفهوم هو أساسي لكل سلطة سياسية لأن كل سلطة سياسية هي سعي بالقوة إلى النفوذ الذي يجلب نوعا من الشعور بالأنفة و الكبرياء, و كل قوة سياسية هي سعي إلى النفوذ لان الوحدات و المؤسسات السياسية تلجأ إلى المنافسة أو الصراع و الخصومة من أجل فرض نفوذها و السيطرة على الآخرين, فما هي إذن أنواع السيطرة المشروعة داخل المؤسسات السياسية؟
هناك ثلاثة أنواع نماذج للسيطرة المشروعة في نظر ماكس فيبر؛ الأولى هي السيطرة الشرعية ذات طابع عقلي تقوم على أساس الاعتقاد بصحة و شرعية السيطرة داخل المؤسسات السياسية لأن من يمارس هذه السلطة يمارسها طبقا للقوانين فهي ذات طبيعة عقلانية مبنية على الاعتقاد في مشروعية السيطرة و في شرعية الممارسين لهذه السيطرة, الثانية هي السيطرة العرفية وتقوم على أساس الاعتقاد بقداسة الأعراف السائدة فهي ذات طبيعة تقليدية لأن من يصل إلى السلطة يصلها بفضل العادات و التقاليد القديمة المبنية على المعتقدات و الأعراف أما الثالثة و الأخيرة فهي السيطرة الكاريزمية أو الروحية تتميز بالقوة الخارقة و الخاصة المقدسة لشخص الزعيم و بالنظام المبني على هذه القداسة التي تدفع الأعضاء إلى التسليم بالقيمة الخارقة لرجل أو لفرد يتميز بهذه السلطة.
إن هذه الأشكال الثلاثة للسيطرة يمكن اعتبارها مفاهيم تحليلية لها مدلول تاريخي حاول ماكس فيبر أن يقدم لنا نماذج من تاريخ المؤسسات السياسية فانطلاقا من العقلانية حاول تحليل النظام الديمقراطي الذي يتميز بنوع من البيروقراطية ومن السيطرة التقليدية تتبع تبلور التمايز المستمر بين الأفراد (أبوي أو ترابي ....) كما حاول أن يبرز التبعية من خلال السيطرة الكاريزمية أو الروحية لشخص محدد تكون له شرعية السلطة على الآخرين بفعل خصائصه الذاتية.
ويقارن بين أنواع و أشكال هذه السيطرة بحيث أن العلاقة تكون مبنية على الاختيار العقلاني طبقا للقوانين المنظمة للمؤسسات أو تكون مبنية على احترام الأعراف و التقاليد, ففي الحالة الأولى يكون الخضوع للقوانين و ليس للأفراد كما هو الحال بالنسبة للنوعين الآخرين فالسيطرة الشرعية هي أبعد عن الناحية الشخصية في حين أن السيطرة العرفية تعتمد على مجموعة من الخصائص الفردية للزعيم و الكاريزمية تعتمد على معتقدات الناس أو على الطابع الاستثنائي للزعيم الروحي, ويعتبر ماكس فيبر هذه النماذج مثالية لا يمكن مصادفتها في الواقع التاريخي إلا نادرا لأنه في حالة السيطرة العرفية قد لا يتم اختيار فرد داخل الجماعة بفعل الأعراف وحدها بل قد تسود مجموعة من الخصائص و الخصال الذاتية حتى أن الطاعة تتوجه إلى شخصه, و المحكومين
يخضعون لعرف أو لأوامر شرعت بحكم الامتياز العرفي للزعيم الذي يفرضه الزعيم نفسه و ليس لمبادئ ثابتة قطعية إن هناك نماذج مختلفة للسيطرة العرفية أولها حكم مجالس الشيوخ حيث تعود السلطة إلى الأكبر سنا وهو ما يسمى النظام الأبوي حيث تصبح السلطة وراثية داخل أسرة معينة و يعتبر ماكس فيبر أن النظام الوراثي هو النموذج الذي يميز السيطرة العرفية و تشكل السيطرة الكاريزمية النموذج الاستثنائي للسلطة السياسية لأنها تميز ممارسات الحياة السياسية العادية لأنها صفة يتمتع بها شخص يتوفر على قدرة غير مألوفة عند الأتباع. و تتخذ هذه السيطرة وجوها أو أشكالا مختلفة سياسيا وجه الغوغائي , أو وجه البطل العسكري الديكتاتوري أو وجه الثائر وتنطوي هذه السلطة على استسلام الناس لشخص الزعيم الذي يعتقد أنه يؤدي رسالة ما ويكون أساس هذه السيطرة انفعاليا وليس عقلانيا لأن قوة هذه الفعالية تعتمد على الثقة العمياء و المتعصبة التي تفتقد لكل حس نقدي يحول دون انتقاء الزعيم أو مراقبته فهو المثل الأعلى تربطه علاقة الإخلاص بأتباعه

3 -المشاركة السياسية

 المفهوم العام للمشاركة السياسية هو : " مشاركة أعداد كبيرة من الأفراد والجماعات في الحياة السياسية ". وتعني المشاركة السياسية عند صومائيل هاتنجتون وجون نلسون " ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي،سواء أكان هذا النشاط فرديًا أم جماعيًا،منظمًا أم عفويًا،متواصلا أو متقطعًا،سلميًا أم عنيفًا،شرعيًا أم غير شرعي،فعالاً أم غير فعال " .و يعرض"لوسيان باي"مفهوماً مبسطاً للمشاركة السياسية وهو يشير إلى أنها تعني"مشاركة أعداد كبيرة من الأفراد والجماعات في الحياة السياسية".
والمعنى الأكثر شيوعًا لمفهوم المشاركة السياسية هو " قدرة المواطنين على التعبير العلني، والتأثير في اتخاذ القرارات سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين يفعلون ذلك ".حيث تقتضي المشاركة السياسية وجود مجموعة بشرية تتكون من المواطنين والمواطنات يتوفر لديهم الشعور بالانتماء إلى هذه المجموعة البشرية وبضرورة التعبير عن إرادتها متى توفرّت لديهم الإمكانيات المادية والمعنوية ووسائل أو آليات التعبير .وعلى هذا الأساس يجري وصف النظام الديمقراطي على أنه النظام الذي يسمح بأوسع مشاركة هادفة من جانب المواطنين في عملية صنع القرارات السياسية واختيار القادة السياسيين .
فمفهوم المشاركة السياسية يشمل النشاطات التي تهدف إلى التأثير على القرارات التي تتخذها الجهات المعنية في صنع القرار السياسي كالسلطة التشريعية والتنفيذية والأحزاب. وتأتي أهمية المشاركة السياسية في هذه الأشكال المختلفة في مواقع صنع القرار ومواقع التأثير في كونها تمكن الناس من الحصول على حقوقهم ومصالحهم أو الدفاع عنها،الأمر الذي يعطيهم في النهاية قدرة التحكم بأمور حياتهم والمساهمة في توجيه حياة المجتمع بشكل عام .والمشاركة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما،وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلمًا رئيسًا من معالم المجتمعات المدنية الحديثة.
بعبارة أخرى،المشاركة السياسية مبدأ ديمقراطي من أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة؛ مبدأ يمكننا أن نميز في ضوئه الأنطمة الوطنية الديمقراطية التي تقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات،من الأنظمة الاستبدادية،الشمولية أو التسلطية التي تقوم على الاحتكار .ويمكن القول إن المشاركة السياسية هي جوهر المواطنة وحقيقتها العملية،فالمواطنون هم ذوو الحقوق المدنية،الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي يعترف بها الجميع للجميع بحكم العقد الاجتماعي،ويصونها القانون الذي يعبر عن هذا العقد، فالمشاركة السياسية تمثل أساس الديمقراطية وتعبيرًا عن سيادة الشعب .
وفي إطار تعريفنا للمشاركة السياسية ، يجب أن نتناول مفهوما آخر وهو مفهوم المواطنة، فالفرد لا يستطيع أن يشارك سياسيا إلا إذا شعر أنه مواطن كامل،من حقه أن يمارس حقوقه داخل وطنه.و مفهوم المواطنة يعني إقرار المساواة بين المواطنين وقبول حق المشاركة الحرة للأفراد المتساوين،وهذا المفهوم سعى الإنسان من أجله ابتداء من عصر الإغريق في ممارسة الديمقراطية إلى اليوم من أجل إرساء دعائم العدل والمساواة والحرية .والمواطنة كلمة عربية استحدثت للتعبير بها عند تحديد الوضع الحقوقي والسياسي للفرد في المجتمع.
ففي اللغة المواطنة تعني المنزل الذي تقيم به وهو موطن الإنسان ومحله حسب ابن منظور في لسان العرب،فالمواطن هو الإنسان الذي يستقر في بقعة أرض معينة وينتسب إليها،أي مكان الإقامة أو الاستقرار أو الولادة أو التربية،وهو الإنسان الذي يستقر بشكل ثابت بداخل الدولة أو يحمل جنسيتها ويكون مشاركًا في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها فيتمتع
بشكل متساوي مع بقية المواطنين بمجموعة من الحقوق ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه الدولة.
والمواطنة في الموسوعة السياسية هي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن،والمواطنة في قاموس علم الاجتماع هى مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي)دولة(ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول)المواطن(الولاء،ويتولى الطرف الثاني الحماية،وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق أنظمة الحكم القائمة،والمواطنة من منظور نفسي هى الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية التي هي مصدر الإشباع للحاجات الأساسية وحماية الذات من الأخطار المصيرية،وبذلك فالمواطنة تشير إلى العلاقة مع الأرض والبلد بأنها علاقة بين فرد ودولة.
وعرفت دائرة المعارف البريطانية المواطنة بأنها علاقة بين فرد و دولة يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق،والمواطنة تدل ضمنًا على مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات،وهي على وجه العموم تسبغ على المواطنة حقوقًا سياسية مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة.وعرفت موسوعة الكتاب الدولي المواطنة بأنها عضوية كاملة في دولة أو في بعض وحدات الحكم،وأن المواطنين لديهم بعض الحقوق، مثل حق التصويت وحق تولي المناصب العامة وكذلك عليهم بعض الواجبات مثل واجب دفع الضرائب والدفاع عن بلدهم .
ومن خلال هذه التعريفات نجد أن المواطنة رابطة قانونية قائمة بين الفرد ودولته التي يقيم فيها بشكل ثابت ويتمتع بجنسيتها على أساس جملة من الواجبات والحقوق فهي -أي المواطنة -مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الفرد والدولة وبين الأفراد بعضهم ببعض قائمة على أساس ما يسمى بالحقوق والواجبات وهي التي يحددها القانون الأساسي(الدستور( وبالطبع في ظل نظام ديمقراطي حقيقي،فهيئة المواطنين أو الشعب هو الذي يقر الدستور باعتباره الوثيقة الأساسية التي بمقتضاها يتم الحكم،و مهما اختلفت المعاني لمفهوم المواطنة يبقى هنالك مبدأ أساسي لمعنى المواطنة وهو الانتماء،والمواطنة لا تنجز إلا في ظل نظام سياسي ديمقراطي تعددي،يحترم حقوق الإنسان ويصون كرامته ويوفر ضرورات العيش الكري
م

4_الديمقراطية

الديمقراطية كلمة يونانية الأصل بمعنى حكومة الشعب، أو سلطة الشعب، فالشعب بالمفهوم الديمقراطي يحكم نفسه بنفسه، وهو مصدر السلطات في الدولة، فهو الذي يختار الحكومة، وشكل الحكم، والنظم السائدة في الدولة؛ السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية؛ بمعنى أن الشعب هو أساس الحكم، وأساس السلطات في الدولة، وهو مصدر القانون الذي تخضع له الدولة .

والديمقراطية التي عرفها المجتمع اليوناني، وعلى الوجه الأخص مدينة أثينا لا تعبر عن الديمقراطية الحقيقية بصورتها الحالية، حيث كان المجتمع اليوناني ينقسم إلى طوائف لا تتمتع جميعها بالحقوق السياسية، فهناك طائفة الأرقاء المحرومين من الحقوق السياسية، وطبقة الأحرار الذين لم يبلغوا مرتبة المواطنين، وهؤلاء لا يتمتعون بالحقوق السياسية، وطبقة المواطنين الأحرار، وهم وحدهم الذين لهم حق ممارسة الحقوق السياسية، أي مباشرة إدارة البلاد داخلياً وخارجياً، فلا يباشر جميع أفراد المجتمـع اليوناني سلطة الحكم، وإنما فئة قليلـة هي التي تتمتع بهذا الحق، هذا على خلاف الديمقراطيـة الحاليـة التي تعطـي جميـع أفراد الدولـة حـق المشـاركة السياسيـة في إدارة شؤون البلاد .

وتقوم الديمقراطية أساساً على مبدأ سيادة الأمة، بمعنى أن الشعب والأمة يشكل في مجموعه كياناً معنوياً مستقلاً عن الأفراد، يمارس السلطات بنفسه، أو عن طريق ممثليه، فيحدد من يحوز السلطة، ومن له الحق في ممارستها، ولا معقب عليه في ذلك؛ لأنه صاحب السيادة. والسيادة التي هي أساس المبدأ الديمقراطي هي سلطة عليا آمرة أصيلة، لا نظير لها، ولا معقب عليها، لها مظهران: مظهر خارجي: يتناول سيادة الدولة في تنظيم علاقتها بالدول الأخرى، دون توجيه أو تأثير من أحد. ومظهر داخلي: يتناول تنظيم الدولة للأمور الداخلية فيها بأوامر وقرارات ملزمة للأفراد في الدولة، فالسيادة بهذا المعنى سلطة أمر عليا. ومبدأ سيادة الأمة هو الذي يقرر أن الأمة في مجموعها باعتبارها تشكل كياناً معنوياً مستقلاً عن الأفراد ، يمارس هذه السيادة ، وكل سلطة تمارس مثل هـذه الأعمـال ولا تستند إلى مبـدأ سيادة الأمة تعتبر سلطة غير مشروعة .                      

 

والسيادة تتميز بأنها واحـدة لا تقبـل التجزئة، أو التصرف فيها، فلا توجد في الدولة إلا سلطة عليا آمرة واحدة، لها إدارة واحدة، لا تتجزأ، ولا يجوز التصرف فيها كلياً أو جزئياً، بمعنى أن الأمة صاحبة السيادة ليس لها أن تتصرف بها فتتنازل عنها كلياً أو جزئياً، وعليه فمن حقها دوماً باعتبارها صاحبة السيادة تعديل أو تغيير شكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي داخل الدولة. ولا تسقط هذه السيادة ولا تكتسب بالتقادم؛ بمعنى أن عدم يؤدي إلى سقوطها، وإذا ما غُصبت لا يُعدّ الغصب مشروعاً بمرور استعمال الأمة لمبدأ السيادة لا الزمان.

6_البيروقراطية

يأتي أصل كلمه بيروقراطية من الفرنسية من كلمه بيرو أي مكتب ، وترمز للمكاتب الحكومية التي كانت في القرن الثامن عشر ، والتي كانت تغطى بقطعه من القماش المخملي الداكن اللون ، ومن اليونانية ، أي القوه ، - السلطة ، والسيادة - ، وقد ( Kratos )من كلمة استخدمت كلمه البيروقراطية للدلالة على الرجال الذين يجلسون خلف المكاتب الحكومية ويمسكون بأيديهم بالسلطة ، ولكن توسع هذا المفهوم ليشمل المؤسسات غير الحكومية ، كالمدارس والمستشفيات والمصانع والشركات وغيرها وهو تنظيم نموذجي من المفروض أن يؤدي إلى إتمام العمل على أفضل وجه، وغالبا ما تطلق البيروقراطية على الانضباط وتطلق بعض الأحيان على أنها تعبير عن المجتمع الحديث

7_الصراع

ظاهرة إنسانية تنشأ عن تعارض المصالح أو رغبة طرفين أو أكثر في القيام بأعمال متعارضة فيما بينها، ذلك هو المنطق البسيط للصراع الذي لا يتم حله إلا بمجموعة متناسقة من التدابير والقواعد،وهذه القواعد متشابهة بالنسبة لكل حالات الصراع وإن تعددت المستويات المختلفة، وهو ما يسمح بالحديث عن نظرية لإدارة الصراعات من اجتماعية لدولية، مع تميز كل مستوى ببعض الخصائص الفرعية المميِزة المقترنة بالمجال وحدوده وطبيعة تفاعلاته وأطرافه .                                      
والصراع يجري مدفوعاً بمجموعة من الرغبات والحاجات الخاصة، فعندما تشعر الأطراف المتفاعلة أن هناك ثمة مصالح يمكن أن تجنيها من جراء الانخراط في الصراع فإنها تقدم على الدخول فيه، وتغريها تلك المصالح بكسر قواعد سابقة أو المغامرة بانتهاك أعراف عامة لإدارة الصراعات على المستويات المختلفة.                                                                                                

وتختلف أشكال الصراع وفقا لمحصلة اعتقادات وتصورات ورغبات القوى المشاركة في أدواره،وللصراع تواجد في كافة أشكال السلوك الاجتماعي،ولكل صراع أرضية يقوم عليها،وهو موجود في الواقع بحكم توازنات وتعقد الواقع ذاته، غير أنه دائماً ما يأتي ممتزجاً بالكثير من التبريرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهناك سبب أصيل لأي صراع كما أن هناك تبرير مباشر لوجوده.

خامسا: خاتمة

علم الاجتماع السياسي هو أحد الفروع الرئيسية في علم الاجتماع، فهو مصطلح حديث نسبيا، ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية ليسد الفراغ الموجود بين علم السياسة وعلم الاجتماع، من خلال تقديم المعرفة العلمية للظواهر السياسة، فأصبح من مجالات البحث الهامة في علم الاجتماع.

 

وهو علم يدرس العلاقة بين السياسة والواقع الاجتماعي الذي يعتبر الحاوي للأحداث السياسية وتأثير الأحداث السياسية على البنية الاجتماعية والعكس، فمثلا عند دراسة ظاهرة سياسية كالحرب أو الثورة، يدرس علم الاجتماع السياسي تأثير على المجتمع، كما يدرس أيضا تأثير البنية الاجتماعية على السياسة فمثلا ظاهرة البطالة والتفكك الاجتماعي واختلال القيم وغياب العدالة الاجتماعية (الظاهرة الاجتماعية) وبين حدوث الثورة أو الحرب (الظاهرة السياسية)الظواهر السياسية -التي يدرسها علم الاجتماع السياسي- ليست حديثة العهد كعلم الاجتماع السياسي، لكنها أقدم من ظهور علم الاجتماع نفسه حيث أنها قديمة قدم وجود الإنسانية ذاتها، حيث أهتم علماء العلوم الإنسانية الأخرى - مثل الفلسفة والقانون- بدراستها ولكن بشكل محدود، فأتسم علم الاجتماع السياسي وكذلك العلوم السياسية بدراستها بشكل منهجي ومنظم.


 

المراجع:

v    كتاب علم الاجتماع السياسي للدكتور مولود زايد الطبيب منشورات جامعة السابع من أبريل.

 

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق